منوعات

من الذاكرة الكربلائية / المشهد السادس والأربعون ( بيت أم داؤود )

 

 حسين أحمد الإمارة


بعد الانتهاء من الدوام في الكلية عصراً ،قررت المبيت عند أصدقائي المتخذين من بيت أم داؤود سكناً مؤقتاً لهم بسبب عدم توفر مكان في القسم الداخلي للطلبة.

الدار عبارة عن طابق أرضي فوقه شقة فيها ثلاث غرف تقع على ساحة الرصافي وهو من البيوت القديمة التي تعود ملكيتها لعائلة من الطائفة اليهودية .زوجها سمير جنگي رجل متقدم في العمر كان يعمل في دائرة التبوغ العراقية (معمل سكائر غازي ) .

وهي من ضمن العوائل القليلة اليهودية ألتي لم يشملها التسفير. يدعي أنه مسلم على ( المذهب الحنبلي ) كيف ؟ لا أعرف.
ربما اتخذ من الإسلام سببا كي لا يُسَفر ، أم لأسباب أخرى (الله العالم بخفايا الأمور ) .

دخلت عليهم وقد انشغلوا بإعداد وجبة العشاء في مطبخ مشترك متهالك لكنه يفي بالغرض، وكنت قد جلبت معي الصمون والجبن كمشاركة بسيطة معهم.

اقترحت أم داؤود ان نعمل خليط (البيض بالجبن مع خلطه بالمعدنوس ) وكنت لأول مرة أتناول هذه الأكلة.

بعد تناولنا وجبة العشاء، توجهنا إلى صوب الكرخ عبر جسر الشهداء لقضاء أمسية في إحدى الكازينوهات الواقعة على نهر دجلة والاستماع إلى أم كلثوم مع إحتساء الشاي والخوض في ما مضى من الذكريات قريبة كانت أو بعيدة.

في الصباح الباكر اجتهدنا بالنهوض للالتحاق بالدوام كلٌ إلى كليته سائرين بإتجاه ساحة الميدان.
صوت القارئ خليل إسماعيل وهو يتلو القرآن على الطور البغدادي عند بعض المحلات توقفك عن الكلام .
واغاني فيروز الصباحية وهي تشدو اعذب الالحان تشنف الأذن ،

توقفنا عند (العتيگ ) حجي زبالة أبو الشربت، قطعة كيك مع كأس من شراب الزبيب لإنعاش الذاكرة والهاء المعدة مما رزقها الله ،حتى يحين موعد الغداء.

يمتلئ المكان بشباب يتميزون بزيهم الجامعي الموحد (قميص أبيض، سروال رصاصي، مع الچاكيت الأزرق الغامق ) ما دام هذا الزي يساوي بين الغني والفقير ويميزه عن بقية أفراد المجتمع ظاهرياً…إذن هو المطلوب.

في الساحة وأثناء عبور ممرات وقوف حافلات نقل الركاب (المصلحة ) ،كانت صورة رئيس الجمهورية البكر، معلقة على إحدى أعمدة الإنارة.
أحد أصدقائي صدم الصورة بجبهته فسال الدم منه، اوقفنا تدفقه بالمنديل الورقي مع تنبيهه بعدم فتح فاه بالشتم والسباب، وإلا سوف تحصل مشكلة أخرى.
تقبل الأمر راضياً مرضيا وتفرقنا حسب خطوط النقل.

في اليوم التالي إتصل بي صديق لي ودعاني مع بقية الأصدقاء في المبيت عند بيت عمه الذي اتخذه سكناً له لقضاء أمسية بعد عناء وتعب الدراسة،تبرع أحدنا في إعداد طعام العشاء الذي لم يتصف بأدنى مواصفات المقبولية، ولكن تناولناه على طيب خاطر .
كانت سهرة لن تنسى مع المجموعة الطيبة.

أيام لن تغادر الذاكرة، جميلة بكافة تفاصيلها قضيناها مع شلة من الأصدقاء الأعزاء.

نسال الله ان يرحم من غادرنا مبكرا وحفظ الباقين بحفظه وعنايته..

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى