تقارير وتحقيقات

من الذاكرة الكربلائية (المشهد الخامس) (اِنهض يا ولدي الشمس تدركنا).

حسين أحمد الإمارة
جلسنا حول الطاولة لتناول طعام الإفطار لآخر يوم من أيام شهر رمضان المبارك. دار الحديث عن أيام العيد وكيفية قضائها، بين الجميع، كلُ حسب مفهومه ورغبته. ما هي البرامج التي يفترض تنفيذها. الخيارات معدودة. الكل مشترك في الحديث، الوالد ينظر لنا وهو ملتزم الصمت .
بعد أن اِحتسى الشاي نهض (رحمه الله ) وإرتدى ملابسه متجهاً نحو الصحن الحسيني لغرض سماع خبر إنتهاء الشهر وحلول العيد.
انشغلت امي (رحمها الله ) بتحضير الملابس الجديدة لكل واحد منا. ملابس العيد لها خصوصية وفرحة كبيرة. عاد والدي تعلوه إبتسامة فرح وهو يحمل بيده علبة حلوى( البقلاوة ).
أمي…ها حجي بَشر باجر عيد.. أبي…أي بوية أجه الخبر من النجف. الحمد لله والله يتقبل الطاعات وعيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير. ألتفت لي والدي وأخبرني أنه سوف يصطحبني معه غداً صباحاً لصلاة العيد.. فرحت كثيراً مع أني لم أدركها ولازلت لم أبلغ الحُلم .
دخل والدي للحمام لغسل العيد. ذهبت إلى الفراش وأنا أفكر بغدٍ أمارس فيه نشاطات العيد المختلفة. أنظر إلى الدشداشة البيضاء الجديدة خاصتي المعلقة على شماعة الملابس، (والكيوه )، البيضاء التي جلبها لي جدي (رحمه الله ) من مشهد الرضا .ع. والمركونة عند مدخل الغرفة..
استغرقت بنوم عميق وإذا بصوت والدي… أنهض يا ولدي الشمس تدركنا.. نهضت وارتديت الدشداشة، فوقها جاكيت لإتقاء البرد، ناولتني أمي اليشماغ ولفت به رأسي.. يُمه لف راسك زين الدنيا باردة.. ألزم أيد أبوك لتروح أتضييع .. عود لتنسه أدعيلي وياك..
تبعت والدي أحث الخطى، أسمع وقع أقدامي..الشارع خلى من المارة إلا قِلة من الناس.. كلما اقتربنا من الصحن بدى صوت المرحوم( سيد أمين) واضحاً وهو يقرأ القرآن.
بدأت خيوط الفجر تنجلي، وصلنا إلى الصحن الحسيني الشريف. دخلنا للزيارة وخرجنا لنجد مكان مع المصلين، المكان بدأ يزدحم بهم.
نسمة من البرد أنعشت سلطان النوم فلم اتمالك نفسي ورحت سائحاً في ملكوت الله( جل وعلا )..
بابا حسين اُكعد خلصت الصلاة.. فتحت عيني لأرى الشمس قد مدت ضوئها على المكان، وأصوات الناس تعلو بالتهاني والتبريكات وتبادل القبل والمصافحة بين الحاضرين. اقترب من والدي (أبا محمد) وهو جار لنا، مد يده في جيب سترته وأخرج عملة معدنية، دسها في يدي وقبلني…إنه درهم، هذا أول صيد كبير،فرحت به.
وجاء آخر وثالث وتوالت التهاني بين الناس،. عدنا إلى الدار عن طريق سوق الحسين.ع. ابتعنا قرصتان من الخبز الافغاني الكبير والذي ملأ بالسمسم. ثم عرجنا على المرحوم الحاج جواد البحراني ( أبو القيمر ) في سوق باب السلالمة..
تقليد تناول القيمر مصباح العيد يكاد يكون مشترك بين الناس.. وصلنا الدار فوجدنا كل شيء جاهز للإفطار..
نسمع أصوات دق الطبل قادمة من بعيد ومعه مجاميع من الأطفال تصفق وتلهو. وإذا به المرحوم عاشور، الذي اعتاد على تولي مهمة ايقاض الناس للسحور. يدور على دور المحلة للحصول على اكرامية العيد من الناس . لم يكن وجود للموبايلات بعد والساعات قليلة عند البيوت. بالإضافة إلا أنها تعتبر تراث جميل اعتادت عليها الناس..
أخرج والدي دراهم معدودات، وزعها لنا بالتساوي، وكذلك فعلت والدتي وتبعتهم جدتي.. وما هو إلا فواق ناقة حتى بدأت مجاميع الأقرباء والجيران تترى على الدار لأجل التهنئة بالعيد، والحمد لله رُزقنا بمال وفير من العملة المعدنية..
نداء من أصدقاء المحلة موجهاً لي بإشارة متفق عليها. خرجت من الدار للالتحاق بهم على ساحة (أم ألعكاريك ) التي اتخذت مكاناً لنصب المراجيح وتجمع للعربات التي تجرها الخيل. ها جمال.. هلواحمد ..شلونك ستار.. شنو فاضل ما أجه وياكم.
مر الوقت سريعا بين صعود المراجيح وركوب العربات بصحبة أصدقائي، نلهو ونضحك ببرائة الطفولة. أغاني شعبية يغنيها صاحب العربة ونحن نردد بعده. أحدهم سقط من العربة، ولكن لم يُصبه الأذى ،عاد راكضاً وصعد فوقها . يمضي الوقت سريعاً حتى سمعنا آذان الظهر .تركنا المكان وعدنا كلُ إلى داره.
سابقاً كانت بعض المدارس تُقيم احتفالات في كل الأعياد في بناية المدرسة، وتذهب الناس لمشاهدة تلك ألاحتفالات. اصطحبني شقيقي عصراً إلى مدرسة العباسية الكائنة في شارع السدرة ،لمشاهدة العروض الجميلة وعدنا مساءاً للبيت.
في اليوم الثاني اصطحبني أخي الكبير، إلى (الحر الشهيد ).لحظور الاحتفالات التي تقام بالقرب منه. اعتاد الكثير من أهالي كربلاء بالذهاب إلى هذا المكان لمشاهدة فعاليات الدبكة والعزف بالمطبك واللعب في المراجيح وغيرها من النشاطات.
مشاهدات ومواقف طافت على خاطري وهي لم تغادر الذاكرة. ونحن نعيش أيام الحجر الصحي في بيوتنا ،لا حضور صلاة عيد ولا زيارات مجتمعية ،لا يسعنا إلا أن نرجوا الله أن يشملنا وإياكم برعايته وعنايته ولطفه إنه سميع قريب..

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى