منوعات

من الذاكرة الكربلائية (المشهد التاسع) ( يوم عمل برفقة والدي)

 أحمد حسين الإمارة


أيقضني صباحاً لأصطحابي معه.
غسلت وجهي وأرتديت الدشداشة، سرنا باِتجاه مقام المهدي عليه السلام. توقف لإقامة صلاة الفجر على الباحة المطلة على نهر الحسينية.
بعد الانتهاء منها ركبت على المقعد الخلفي للدراجة الهوائية، وهو يقودها، عبرنا القنطرة متجهين لمكان العمل، مروراً بمقام الإمام جعفر الصادق، عليه السلام . .مخترقين بساتين الهيابي بطرقها الترابية الملتوية،
بدأت الشمس تنشر نورها على البرية وتبعث الدفء عليها.

وصلنا مكان العمل، تفقد والدي الموقع وما يحتاجه .

بدأ العمال بالتوافد ،تبادلوا التحايا مع أبي.
توجه قسم منهم بإحضار دلاء الماء لجبل الطين وتخميره ،لغرض كبسه في قوالب خاصة معمولة من الخشب، مقسمة على حجم الطابوق.
وتوجه آخرين بفتح أبواب ومداخل الكورة الثانية ،لأجل إخراج الطابوق منها.

توجه أحد العمال لتحضير مكان طرح الطابوق الجديد الذي اكتمل نضجه في الكورة وتنضيده حسب نوعيته.
( السميجي ..الموشم..الخضراوي.. وكذلك الفرشي الذي لا زال عليه الطلب مستمر لاستخدامه كغطاء على سطوح الدور.

لاح من بعيد ناقل النفط الأسود،وهو الوقود المناسب الذي يستخدم بايقاد المكائن ألتي تولد النار الكافية لفخر الطابوق، لتفريغ الطلبية في البراميل المخصصة له.

جلس والدي على الناصية يراقب ويوجه عمل العمال.

من الجهة الثانية دخل المرحوم( هاشم حوري ) بعربته التي يجرها الحصان (البرشقة ) لنقل طلبية طابوق الفرشي لأحد الدور في طور الإنشاء.
تلاه المرحوم (حسين سريطي ) لتحميل طلبية 2000 طابوقة، نوع الموشم. ثم تبعه المرحوم( حسن سريطي ) لتلبية إيصال طلب آخر من الطابوق…
حينها كانت الوسيلة السائدة لنقل الطابوق هي العربة التي يجرها الحصان وتحتوي على أربع دواليب هواء ، وتسمى البرشقة..

اوصاهم أبي بإختيار الأفضل وترك الرديء، فالسمعة أهم من الربح.

وصل أحد العمال حاملاً معه وجبة الإفطار (الخبز والبيض والجبن والبطيخ ) ،جلسوا جميعاً على سفرة واحدة يحيطها القناعة والرضا. شكروا الله على نِعَمهِ التي لا تنفد.

نهض الجميع لإتمام الأعمال التي انيطت لكل واحد منهم.
وقت قصير مضى وأنا اتنقل من مكان لآخر لأكتشف تفاصيل المكان.

توجه الخبير( الفورمن ) لايقاد النار في الكورة الثانية، فقد اكتمل فيها تنضيد الطابوق (اللبن ) وسدت الفتحات والمداخل فيها.
بعد حين قام أحدهم لإقامة صلاة الظهر فقد حان وقتها.

استقليت على المقعد الخلفي للدراجة الهوائية عائدين للدار. بعد أن ودعهم على امل اللقاء معهم بيوم جديد إن شاء الله..

بعد أن أضناه التعب قرر بيع هاتان الكورتان ليبقى عمله مختصراً على إدارة الأعمال التجارية .

أعتمد الناس فيما سبق لبناء دورهم على الطابوق المعمول في ( الكور ) لعدم وجود بديل، ولكن بتقدم الزمن أقيمت معامل كبيرة حديثة ،حكومية وأهلية لإنتاج الطابوق .مما أدى إلى انحسار هذا النوع من( الكورة) ولم يبقى منها إلا القليل واقتصرت على انتاج طابوق ( الفرشي)فقط لكثرة الطلب عليه فهو يستخدم لتغليف أسطح الدور.

الأمكنة التي انتشرت عليها (الكور )، هي الهيابي ..فدان السادة..الحر الكبير..الرميلة..الودي. وهذه تقع على طريق عون القديم. (بغداد القديم ).وهذه الكور لا يقتصر وجودها في هذا المكان فحسب وإنما انتشرت في مناطق عدة في المدينة.

رحم الله من جاهد وسعى للحصول على لقمة نظيفة يسد بها رمقه وأهله وإنقاذهم من الجوع والعوز.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى