مقالات

ضوء

 

الدكتورة أنيسة فخرو


سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الاوروبية للتنمية والسلام

الطائفية والعنف(٣)
العوامل الموضوعية

تطرقنا في مقال سابق إلى أول الأسباب الموضوعية لتفاقم الطائفية والعنف، وهو الدور الأمريكي العالمي المتصهين، لتعزيز الضعف وزيادة التخلف الاجتماعي في مختلف الأقطار العربية، أما العامل الموضوعي الثاني، والذي لا يقل أهمية عن الأول، فهو دور النظام الإيراني من جهة، والنظام التركي من جهة أخرى.
فلا يمكن أن ننكر دور الثورة الإيرانية عام 1979؛ ففي البداية استبشرت الشعوب العربية بهذه الثورة، لكن تدريجيا ظهر تأثيرها السلبي في زيادة الاحتقان الطائفي، عندما بدأت الثورة أولا تأكل أبناءها وتقتل من صنعها؛ فأول من تم قتله وتصفيته على يد رجال الدين، كانوا شباب الحركات القومية والثورية واليسارية الإيرانية، ثم بدأت الثورة تعزز المفهوم الطائفي من خلال محاربة المؤسسات والأفراد والتجار ورجال الدين الوطنيين من الطوائف الاخرى، وتعزز مكانة رجال الدين، وتدعم المؤسسات ذات الصبغة الطائفية.
اما تركيا فهي تسعى بدوافع سياسية واقتصادية بحتة وبغلاف ديني إلى السيطرة على سوريا، وخاصة بعد تولي اردوغان سدة الحكم.
وجاء المزيد من التطرف للحركات الدينية في مختلف الأقطار العربية كرد فعل على سيادة الصبغة الدينية الطائفية والتطرف في كل من إيران وتركيا ، لما لهما من تأثير مباشر على الدول العربية عامة، فكانت سوريا والعراق أول من تضرر، بحكم التقارب الجغرافي والعمق الثقافي والحضاري، وبالطبع كان لدول الخليج العربي أيضا نصيب غير قليل من التأثر بما يحدث.
إن ما حدث في العراق، وبتشجيع من المحتل الأمريكي، من سيطرة وهيمنة الدولة الدينية في إيران على القرار الوطني في العراق، والذي سبب هيمنة طائفة على مقاليد الحكم، وجاءت سياسة تلك القيادة الطائفية لتعزيز شعار الدين لهم والوطن لهم ولمن يتبعهم، وكانت النتيجة التشريد والمجازر التي لا حصر لها للشعبين العراقي والسوري.
هذا الوضع سبب كارثة للعراق ولمختلف أقطار الوطن العربي، وزاد من حجم الهوة بين كل من العراق وسوريا (مركز الحضارتين العباسية والأموية سابقا)، ومختلف الدول العربية، مما ساهم في زيادة التشرذم والتخلف والضياع العربي.
ولقد كان خوف الناس جليا في مختلف دول الخليج العربي من تكرار تجربتي العراق وسوريا.
ولمن يعارض هذا التحليل ويقول العكس، فإن الأمر سيان، سواء البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة، فالنتيجة واحدة: مزيد من التشرذم والدمار والطائفية والعنف والتخلف الفكري والاجتماعي للأمة العربية والإسلامية جمعاء.
ناهيك عن تعزيز الهيمنة العسكرية وإطلاق التهديدات المستمرة من قبل النظامين الإيراني والتركي لبعض الدول العربية، وحلم استعادة الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، والعروض العسكرية التي هدفها إثبات القوة والهيمنة، واعتماد سياسة تصدير الثورة المذكور نصا في الدستور الايراني إلى كل مكان، من لبنان إلى السودان، بل والمجاهرة في أجهزة إعلامهم بالسيطرة على غزة وأربع عواصم عربية.
كل هذا وذاك جعل الدولة الدينية في إيران تصبح من أهم العوامل الموضوعية التي تسببت في زيادة الطائفية والتخلف الاجتماعي في الوطن العربي.
أما النظام التركي فقد حمل لواء إخوان المسلمين للمتاجرة بالدين من أجل الهيمنة، وتفاقم الصراع السني الشيعي في كل قطر عربي وتقاسم ثروات سوريا واحتلال وتقسيم أراضيها قسرا.. ونتيجة لضعفنا وتمزقنا تم توزيع الأدوار وصارت الدول العظمى والصغرى تتقاسم الكعكة فيما بينها، والضحية هي شعوبنا وأرضنا ودولنا.
لذا علينا كأنظمة وشعوب عربية ألا نراهن مطلقا على القرار الأمريكي؛ لأنه منذ سنين مرهون بالصهيونية العالمية، والخلاف الأبرز بين الصهاينة وأمريكا هو فقط على النووي الإيراني، كما علينا أخذ الحيطة والحذر عند التعامل مع القرار الإيراني والتركي، وما يحدث في العراق واليمن وسوريا مثال حي على ما نقول، فخاخ تُنصب لنا وندخل في المصيدة، طائفية تزيد من وتيرة العنف مقابل العنف، مع أنه كان من الأفضل الابتعاد كليا عن الحروب والمواجهات العسكرية؛ لأن الخاسر الأكبر هو الشعوب ومواردها، ومن ناحية أخرى علينا بناء أنفسنا من الداخل، لكي نقوى رويدا رويدا، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالعمل على تفادي الأسباب الذاتية لهذا التخلف والتي ذكرناها سابقا، والعمل على تطبيق شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وتفعيله في كل قطر عربي؛ لأنه الخلاص الأول للأنظمة والشعوب العربية قاطبة من هذا البطش الذاتي والضياع العاتي.

نشر في ٢٠١٦

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى