مقالات

مذكرات رجل مات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سعد رزاق الاعرجي

اغرورقت عيناه وهو يتمتم بكلمات ثقيلة لايكاد يسمعه أحد بلوم فيها نفسه ؛ فيمسك القلم بيد مرتجفة ويبدأ يدون : ياليتني سمعت كلام الناصحين واصغيت لمنطق العقل والدين واتخذت مع الأصحاء سبيلا اليوم انا انازع الموت واحارب فايروس لا يرى بالعين المجردة ولا أظن اني غالبه ؛ فهل من العدل والإنصاف ان اصارع عدوا مجهولا وأنا الذي تجاوز وزني ال 100 . كم خجلت من نفسي ومن المقربين وهم يروني عاجز لا اقوى على الحركة وثمة شيء من العدم يفيدني ؛ كنت أتمنى لو اصارع رجلا قويا فاغلبه كما كنت او وحشا كاسرا فامزقه لكي يشار لي بالبنان بأنني ذلك البطل الذي لايشق له غبار ؛ أما اني طريح الفراش لا أستطيع الحركة فالأمر محزن حقا . كنت استهجن اي كلام يطرح حول الموضوع وانفي بكل ثقة وإصرار ان لاوجود لهكذا شيء والدليل أن لا أحد قد أصيب من اخواني او أصدقائي فعشيرتي . كم لامني أصدقائي على هذه الاستهانة واللامبالاة وحذروني من الإصابة وأنها لا تقف عندي فقط وإنما سننتقل إلى كل عائلتك واحبائك ؛ يقول لي أحدهم ان الإصابات قد بلغت كذا وكذا وأن الدولة الفلانية قد مات فيها الكثير وأن هذا الوباء ليس له علاج لحد الآن ؛ وكنت ابرر بأن أبناء تلك الدولة هم من أكلة الأفاعي والخفافيش وأن الله قد أنعم علينا بنعمة الإسلام وارشدنا بتجنب كل المحرمات ؛ فقال لي أن كل ماتقوله صحيح وأن العراق وحتى الدول العربية ليست مصدر هذا الوباء وأن ثمة دولة آسيوية هي السبب في انتشاره ؛؛ لكن يا أخي ان هذا الفايروس عنيد ينتقل عبر التلامس والرذاذ وأن الشخص الذي يصاب به لا يموت فورا ؛فتصور لو ان شخصا مصابا غادر بلاده إلى أي دولة والتقى باصدقاءه وأكل مع فلان وعانق آخر فإن الجميع قد حملوا المرض وتصور نتيجة هذه العدوى وهكذا الأمر يدور . اطرقت راسي استحياء فلماذا هذا العناد فالأمر لايكلفني جهدا ولا مالا كثيرا :: نعم لقد أثر في هذا الكلام ووجدته مقنعا ومنطقيا عندما بدأت أصغي واتابع أخبار هذا الوباء وشاهدت بأم عيني كيف يعاني المصاب ويتألم ويعجز عن الكلام وأن هواء الدنيا لن يغنيه عن شيء عندما يصبح حبيس كمامة الأوكسجين ؛؛ ولو اني غضبت من صديقي لأنه كان يرتدي الكمامة والكفوف الطبية عندما يكلمني وكلما اقتربت منه ابتعد عني ؛ لكن عذرته عندما أصبح كل شيء حقيقة . نعم لقد نقل فلان إلى المستشفى وأن ابن خالي محجورا مع عائلته وأن ابن العشيرة قد مات ؛؛ ما هذه الأخبار المرعبة لاعب مشهور توفي بذات المرض ولم يهتم به المسؤولون وآخر لم يحضر جنازته سوى أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة ؛ وسمعت أن العناية الطبية ليست بالمستوى المطلوب . ليس ذنبي ان أكون رجلا اجتماعيا أحب مخالطة الناس وأن أحيا حياة عامرة بحب الأصدقاء والأقارب حيث أشعر بقوتي وأنا بينهم وأشعر بأن لي اهل وعزوة . انا رب أسرة تتكون من زوجة وولدان وبنت ؛ انا السيد والمرشد في البيت لا أحد يرفض لي أمرا ؛ في البيت لا نعرف ما الكمامة ولا توجد في بيتنا كفوف طبية زوجتي لا تخرج من البيت واولادي صغار لم يبلغوا الحلم اجلسهم هذا الوباء في البيت وهم طلاب علم . انا الآن بين يدي رؤوف رحيم بين الحياة والموت ؛ لا أعلم أن كنت سأعيش اذا ما رفعت كمامة الأوكسجين ام سيتوقف قلبي إلى الأبد أكتب هذه السطور ودموعي تنهال بحرقة وألم لا على نفسي فقط وإنما على عائلتي من سيكون لهم بعدي في زمن لايرحم وفي غابة لا مكان للطيب فيها . أولادي ضعفاء .. فقراء الحال … عذرا زوجتي فالخطأ خطاي عذرا أولادي سأرحل دون عودة ؛؛ فيا من تقرأ هذه السطور أوصيك باولادي ثم أولادي ثم أولادي …. سقط القلم فتوقف عن الكتابة ولم تعد هناك حاجة الكمامة .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى