مقالات

خلايا التضليل الإعلامي

طارق الطرفي

في عام ٦١ هجرية، لم تكن آنذاك تكنولوجيا ولا وسائل إتصال سريعة، وكان الخبر يأتي مكتوباً أو على لسان شخص يمتطي حصاناً أو بعيراً ويستغرق أياماً ليوصل الخبر من مدينة الى اُخرى أو من بلد الى آخر، وممكن جداً أن تتغير الحقيقة (الخبر) التي يحملها هذا الشخص (بقصد أو بدونه) لحين إيصاله، ما يعني أنه وارد جداً أن لا يصل صحيحاً أو دقيقاً.
وقبل وصول قافلة الإمام الحسين (ع) وآل بيته وأصحابه الى كربلاء، عمد الإعلام اليزيدي على بث الإشاعة في الشارع الكوفي على أن هناكَ ضعناَ لفئة من الخوارج سيدخل العراق وإن من به هم يضدون الخليفة ومخربون ويهدفون للاضرار بالإسلام (جوكرية)، ونجح الإعلام عند ذاك في تضليل الناس بشكل كبير، إذ عند وصول الإمام (ع) ووقوفه في الطف كان السواد قباله على فئتين، الفئة الإولى برزت بصفوف القتال إما خشية من بطش الوالي وأزلامه أو طمعاً بالمال والجاه الذي وعد به، وفئة اُخرى وقفت للفرجة (أصحاب التل) وهي التي أمِن الوالي من معارضتها أو النصرة للحسين (ع) وهم أيضاً على قسمين الأول (الذين نجح الاعلام بتضليلهم وصدقوا إن الحسين ومن معه خوارج ومخربين “جوكرية”، والقسم الثاني (الذين قالوا إنه صراعاً على السلطة ولا شأن لنا به).
والحال.. إن الحسين (ع) عندما وقف على مسمع معّرفاً بنفسه ونسبه وهدفه، لم يستجب له أحد ممن في صف المقاتلين أو من أصحاب التل بقسميهم، وبالتالي قُتل بأبشع صورة كما نعرفها..

ما يجري في العراق اليوم من تضليل إعلامي بشأن تظاهرات الشباب الأحرار يدركه المتابع الحاذق، بأنه بذات النهج الذي إتبعه إبن زياد مع الإمام الحسين (ع)، والكارثة اليوم إن الكثير من الناس جعلتهم خلايا الإعلام الحزبية يصدقون إن التظاهرات عبارة عن عملاء ومخربين وجوكرية (مع أني ادرك وجود هؤلاء المندسين من قبل أحزاب أو جهاتٍ داخلية أو خارجية لها مآرب)، لكن من حيث المبدأ تلك التظاهرات حقة ومطالبها مشروعة ولليوم لم تتخلى عنها المرجعية الدينية الشريفة، وهي تنصرها منذ سنوات وبخطاب واضح لا يقبل التأويل وتقف مشخصةً دائماً للظلم والفساد والقتل وتطالب بإجتثاثه، وهذا مؤشر على أحقية تلك التظاهرات وكَذب ما يروج له إعلام الأحزاب والأجندات الخارجية التي تحاول تشويهها وإضعافها بشتى الطرق.
وهنا أعتقد إنه ينبغي أن يلتفت كل ذي وعي وعقل الى ذلك التضليل الإعلامي ولا ينجر خلفه، لا سيما إن وسائل الإتصال والتواصل مختلفة اليوم وكثيرة، وسهل جداً التأكد من أي خبر أو معلومة والتمحيص بين الصدق والكذب والحق والباطل، والحاذق يستطيع التمييز، وإلا فإن مثل هكذا إعلام سيجعله يضل الطريق ويقف ضداً أو للفرجة وقت ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى له الفرج والنصر)
أرى أن علينا مساندة خطاب وتوجيه مرجعيتنا الدينية ودعم تظاهرات أبناء العراق السلميون، والمساهمة في تشذيبها وتنظيمها وتحقيق مطالبها.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى