مقالات

نقلاً عن النهار نيوز المصرية.. كلمات من دفتر صحفي..

 

طلال العامري يكتب: “جزء 1”.. أحداث واقعية..

بلا مزاد.. مدينة للبيع
من بغداد إلى الموصل والنوم في العراء!
حكاية الموصلّي “شاحوذ الفحّام” والعبر المستقاة
كيف دخلوا ومن أين (300) فرد فقط ابتلعوا مدينة ومحافظة!

وثقت بـ(صحفي) فحرّض على قتلي بصورة غير مباشرة!

العراق/ طلال العامري..

ربما لا يعلم كثيرون في أصقاع الأرض ما حدث فعلاً لمدينة الموصل قبل أو حين أحتلت من قبل (داعش).. ولأننا عشنا الحدث بتفاصيله.. نرويه حسب ما اختزنته الذاكرة فخرج على شكل كلمات أو حديث “عابرٍ” لتوثيق ما حصل فعلاً لا نقلاً.. وقبل الشروع بأي شيءٍ نوثّقه..

نعود للموصل (مبسيلا) والذي يعود ذكر اسمها الحديث للإغريقي “كيسنوفين” كأوّل من ذكره حسب لغات التاريخ قبل وبعد الميلاد اضافة لـ”نينوى بالأكدية نونا..نينا” المرتبط بالآلهة عشتار..
الحضارة الآشورية العريقة واسم (مبسيلا) الذي شكك البعض به على أنّه “يوناني ويعود لمستوطنة صغيرة تقع على الضفّة الشرقية لنهر دجلة وتم ذكره قبل خمسة قرون قبل الميلاد”..!
فيما يرى الأغلبية أن أصول الاسم (عربي) خالص مشتق من “الوصل” أي “ما يوصل بين شيئين” لأنّها “تصل” الجزيرة بالعراق “أرض السواد” أو أنّها “تصل بين نهري دجلة والفرات”..
بالمحصّلة تعني الرابط بين الشرق والغرب.. ألم تكن هي المسرى للرحّالة والتجّار في “طريق الحرير”..؟
هذه المدينة التي لم تركع وأهلها لأعنف وأشدّ الهجمات طوال سنيّ وأعوام عمرها المديد ومن بينها ما نقل لنا: حين حاول المحتل “الفارسي نركز خان” اجتياحها.. فهزموه من على أسوارها العصيّة في معركة “الغزلاني” حتى قتل قائدهم و”هرب” ما تبقّى من جيشه يجرّون أذيال الخيبة والخسران.. وانتقاماً لقائده وعدم نسيان ما حصل (له) قرر “نادر شاه” تجهيز جيش قوامه “ثلاثمائة وسبعون” ألف مقاتل لغزو كل ما يصادفه حتى الوصول إلى الموصل وتركيع أهلها..
احتل كركوك وأربيل وأحدث فيهما خراباً لا تستطيع كل حروف لغات العالم وصفه..!

وصل أطراف الموصل وهاجمها بشدّة ودكّها “دكاً” بالمدافع “25 أيلول 1743ميلادية” لمدّة ثمانية أيام متتالية، مارس كل شيءٍ لاقتحامها..
لكن قادتها ومن بينهم (حسين باشا الجليلي) الحكيم العاقل، أحد أبطال معركة “الغزلاني جنوب الموصل” (1732 ميلادي) التي قتل فيها “نركز خان” وهروب ما تبقّى من الثمانية آلاف مقاتل الذين كانوا معه.. كان له رأي حين وصلوا اليوم “الثالث والثلاثين” لحصار المدينة التي دارت خلالها معارك طاحنة أوقعت آلاف القتلى بصفوف الغزاة ومن بينها مقتل أحد أهم قادتهم وهو (جيلو خان)..!
حيث وجّه بإرسال رسالةٍ شديدة اللهجة إلى “نادر شاه” متخطّياً كل أنواع “البروتوكولات” ..!
الرسالة وما حوته، كانت بحدّ ذاتها (لو) تحققت ستعدّ (نصر) لا يعادله (نصر)..!

هي بطولة، بل شجاعة نادرة الوجود اقترنت بأحد الموصلّيين والتي خلّدتها كتب التاريخ بالقول:
خرج موصلّي شجاع من إحدى الثغرات التي تتواجد في حصن المدينة من التي لا يعلم بها سوى أهالي الموصل الذين عرف عنهم كتم الأسرار وحجبها عن الغرباء وذلك عقب تحويل مجرى نهر المدينة بأمرٍ من “نادر شاه” ليضطر أهل المدينة إلى حفر الآبار وقتها وجعلها متاحة للجميع والتقنّت بما تم تخزينه من طعامٍ تقاسموه فيما بينهم..
تلقوا طيلة بواكير المعركة آلالاف من قذائف المدافع والتي قيل أنّها وصلت لخمسين ألف قذيفةٍ أو يزيد ولا ننسى الاستشهاد بما كتبه الشاعر الموصلّي (خليل البصير المتوفّي سنة “1163 هجرية” واصفاً ما كان وهو القائل..
“فبان بيننا سمات القحط …. حتى حرمنا شرب ماء الشط “)..!!
انطلق ذلك الشاب بعلم كبار المدينة واسمه “شاحوذ الفحّام” حتى وصل خيمة قائد حملة الفرس (“نادر شاه” طهماسب) التي دخلها، ثم تريّث ولم يجد بداً من الانتظار قليلاً مفكّراً هل أقتله وأنهي الأمر..؟
وعندما وجد أنّه “رسول مؤتمن” ولم يكلّف بقتله، ربما لحكمةٍ لا يعلمها..!
لم يتأخر وقرر إخراج الرسالة ووضعها تحت وسادة ( طهماسب “نادر شاه” ثم “غرسها بخنجره”) وتحديداً حسب الروايات التي نتناقلها جيلاً يعقب جيل.. غرس الخنجر بالرسالة في “مخدّته” التي يضع عليها رأسه”..!!
في الصباح شاع الخبر وهو تخضيب “نادر شاه” يديه بدماء حرّاسه بعد أن أراهم الخنجر والرسالة، طالباً من كبير علمائه “ملا باشي علي أكبر” أن (يصالح أهل الموصل على أن “ينسحب بجيشه ويحفظوا له فقط ماء وجهه” وانسحب مع هدية حفظ ماء الوجه تلك وكانت مجموعة من “الخيول العربية الأصيلة” مثقلاً بالخيبة والخسران والضحايا والآثام في معركة وحصار استمر أربعين يوماً وانتهى بالتحديد في الرابع من رمضان من عام 1156 هجرية)..
أي رسالة تلك التي وجهها أهل الموصل..؟!
في اليوم التالي على رحيل حملة الاحتلال بقائدها.. وجد أهل الموصل كثير من الجرحى وكانوا ممن تركهم خلفه “نادر شاه”.. وبعض ذرّيتهم إلى اليوم يعيشون في “نينوى” تحت (عناوين) غير التي يعلمها عنهم أهل الموصل.. بل انصهروا مع مجتمع الموصل الذي لا يرفض من يسالمه على شرط أن يفكّر كموصلّي (قح) وعراقي أصيل..

كان ستالين جالس في مكتبه يدخن الغليون.. دخل عليه سكرتيره الشخصي وتحدث معه قائلاً: هناك بالباب شخص يقول أنه يتنبأ بالمستقبل..
اعتدل ستالين واضعاً غليونه جانباً وأجاب على الفور: أعدموه..!
ثم راح يقول يا لهم من محتالين وفاشلين.. لو كان حقاً يعرف ما يخبئه له المستقبل لما قدم إلى حتفه برجليه.. حكمة ستالين تلك للتقليل من منابع الجهل كي لا يصبح أمثال ذلك المحتال رموزا تقدّس وتبجّل وتفعل أفاعيلها لاحقاً..
سقت هذه المقدمة التي وجدتها ضرورية للحديث والتوسع بالذي أصاب محافظة لها من العمق الحضاري والتاريخي ما لم يمتلكه إلّا البعض القليل غيرها محلياً وخارجياً.. إنها نينوى “نونا.. نينا” وابنتها الكبرى وبالعكس الموصل “مبسيلا.. قبل وعقب بيعها علنا للـ(دواعش) ما عرف باسم (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)..!

كنت عائداً من بغداد بعد أن زارني في الفندق (مودّعاً) صديقي وزميلي جعفر العلوجي رئيس تحرير جريدة رياضة وشباب المختصة بشؤون الرياضة والتي أدير تحريرها، وأخبرني أن أتهيأ بعد أيام كي نسافر سويةً للاستجمام في إيران بعد أن أنهكنا العمل ومشاكل الرياضة والوقوف في أقفاص القضاء التي خرجنا من جميعها منتصرين..!
قلت له: ان شاء الله أبو احمد..

حل العصر وأنا في بغداد واذا بالصديق الدكتور سعدون ناصر يأتيني هو الآخر ويستحلفني بالله أن أرافقه إلى بيته وإلّا سيزعل مني.. أخبرته بأني أستعد للسفر باتجاه الموصل..
رفض عذري وأخذني الرجل من الفندق باتجاه منزله الذي عمّره الله بالحب والألفة والتلاحم..
ما أن دخلت منزله الفخم جداً ذي المساحة التي تصل لألف مترٍ (تقل أو تزيد) حتى لفت انتباهي قاعة صغيرة للرياضة ومكان على واجهة المنزل لمولدة الكهرباء الخاصة به وحديقة غنّاء شاسعة، لم أقل ساعتها سوى ما شاء الله.. اللهم زد وبارك..
جلسنا نتسامر وإذا بأطايب الطعام تأتينا من كل جانب.. فاعتذرت من الرجل، لأني ملتزم بحمية لا أحيد عنها وقبل أن يزعل الدكتور سعدون ناصر (بطل العرب بألعاب الساحة والميدان) قلت له:
أعجبني منظر اللبن وسأشرب منه.. هنا قامت أختنا (زوجته) أم ذو الفقار بغفلة مني بملء عدة عبوات بلاستيكية، سلموني اياها وأنا أهم بالخروج وأردد عبارات الشكر والثناء على ما لقيته منهم..
أوصلني الرجل بسيارته المرسيدس إلى الفندق وهناك كان ينتظرني الصديق الذي لم تنقطع علاقتنا على مدى أكثر من ثلاثة عقودٍ من الأعوام وهو الدكتور الأكاديمي والخبير الميداني صبري مجيد بنانه المصنّف كأحد أبرز آباء الرياضة العراقية والعربية والآسيوية والذي زعل مني، كونه اعتاد معي على أن نجلس سوية في كل زيارة أقدم فيها إلى العاصمة بغداد..!
أخذنا مكان قصيّ في صالة الفندق وبقينا نتحدث و نتذكر رياضتنا أيام زمان..
قبل منتصف الليل بقليلٍ رحل الدكتور وقبل أن (نودّع) بعضنا على أمل اللقاء، قالها لي باللهجة البغدادية الجميلة:
(تدري حبيبي “گلبي” قلبي عاصرني ما أدري ليش فدوة دير بالك على حالك وكل شوي راح أتصل بك حتى تصل بسلام لأهلك)..!!
لا أعلم لماذا انسابت دموعي وأنا أتبادل التحيات والقبلات معه..!

الساعة الثالثة فجراً.. حضر السوّاق الذي سبق واتفقت معه لنقلي إلى الموصل يبعد مركزها (400) كم عن العاصمة..
اعتدت قبل السفر أن أحزم متاعي وحاجياتي وأوضبها قبل أخذ قيلولة، كي لا أتأخر أو أؤخر السائق..
كانت السيارة التي أقلتني من نوع “كلايزر” أميركية الصنع وحين وصلت العراق كدفعةٍ أولى منها، سمّيت (أوباما) على اسم الرئيس الامريكي الذي استلم الحكم خلفاً لبوش الابن..!
انطلقنا على بركة الله..
في الطريق كانت الحركة غير طبيعية.. سيارات وحافلات عسكرية قسم ذاهب وآخر عائد..!
كان هناك نوع من التشدد في السيطرات الكثيرة..
باجي الصحفي “هويتي” أتاح لي أن تمر السيارة التي تقلني من الخط العسكري لتسهيل أمورنا حسب التوجيهات الصادرة من أعلى الجهات..
كان بصحبتنا إمرأة في منتصف العقد الخامس من العمر جلست هي في المقعد الخلفي..
كانت تشكو همها وكيف أنها ولعدة شهور تراجع دائرة التقاعد العامة ولم تحقق مبتغاها الشرعي..!
في هذه الأثناء، رنّ هاتفي الجوال.. وكان على الخط صديقي جعفر العلوجي..
سألني: (وين وصلت)..؟
قلت له:
عبرنا سامراء ولكن الأوضاع مقلقة.. قبل أن يقفل الخط رددها (دير بالك على نفسك أبو نورس)..! لم أعرف لماذا قال تلك العبارة..!
ما أن دخلنا (تكريت) مركز محافظة صلاح الدين من الخط السريع وإذا باتصال آخر يأتيني من الدكتور صبري بنانه ويسأل: (ها حبيبي طلال وين صرت وين وصلت)..؟
أجبته: حالياً سنعبر سيطرة الأقواس في تكريت.. وأنا أتحدث معه رأيت عدد كبير من حافلات الشرطة الإتحادية و”قوات سوات” في الجهة المقابلة عائدة صوب بغداد أو المناطق التي قبلها..!
مررنا في (بيجي) ناحية تتبع صلاح الدين أيضاً، كان السكون يخيّم على المكان وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة..!
اقتربنا من الشرقاط ثم القيارة عبر الطريق المستقيم، لم نجد ما اعتدنا عليه من نقاط السيطرة التي سبق ورأينا منها الكثير خلال مجيئنا إلى بغداد في رحلة الذهاب..!
قال السائق: استاذ طلال الوضع غير مطمئن..! رددت: ماذا تقصد؟.
سكت الرجل وأدار موجة المذياع.. فتلقينا بعض إذاعات الموصل وأغلبها كان يحلل ما يجري ويشرح عن تأزّم الأمور في المدينة وكيف أن الدواعش يرغبون بالهجوم على الموصل..!
ثم بعاجل يتكرر يخبر أهالي الموصل بوجود حظر للتجوال..!
دقائق ويأتي النفي من قيادة عمليات نينوى أن لا حظر ولا هم يحزنون..!
وصلنا إلى مشارف “سيطرة العقرب” آخر نقطة تفتيش (صعبة) قبل دخول المدينة وهناك.. هالنا ما رأينا..!
مئات ان لم يكن آلاف السيارات بأنواعها تقف في كل الاتجاهات..!
سألنا: لماذا تقفون هنا..؟
ردّ البعض: هناك أوامر تمنع دخول من يقدمون إلى الموصل..!
حملت عكازي الذي أتوكأ عليه بحركتي واتجهت صوب نقطة السيطرة التي تبعد عني مسافة نصف ساعة (مشياً) لأمثالي “ذوي الاحتياجات الخاصة”..!
وجدت ضابطاً يصرخ.. اقتربت منه وعرفته بنفسي وقلت له: لماذا نحن ممنوعون من الدخول..؟ أجاب ببرود شديد: إنها أوامر عليا..!
قلت له: والحالات الإنسانية: ردّ بنبرة صحبها صوت عال:
(قابل آني متونّس بهاي الهوسة.. يمعوّد مو تكول أنت صحفي “دخابر” اتصل على جماعتك “بلكت” قد “يحجون” يتكلمون بالإعلام وتفرج عليكم)..!
كان لدي عدد من أرقام زملائي الإعلاميين والقنوات المتواجدة في الموصل..
أوصلت صوتنا ومعاناتنا.. وفعلاً كان هناك تجاوب لقناة الموصلية الفضائية أكثر من رائعٍ.. وهو ما نقله لي أهلي الذين كانوا يتابعون الأحداث ويوصلوها إليّ أولاً بأول حين نشرت “سبيتايتل دوّار” تناشد بإدخالنا نحن من علقنا..!
بقينا ليلة (5 على 6 حزيران 2014) نفترش الأرض أو السيارات والحافلات والكل يعرف ما تعنيه حرارة حزيران في العراء..!
جاء الأمر: اسمحوا لهم بالدخول..!

دخلنا الموصل (آمنين) وليتنا لم ندخلها..!
رأينا المدينة وكأنها مسكونة من قبل أشباح..!
الحركة شبه معدومة، الكل “القلّة التي نراها صدفة” يصرخ بوجهك.. ممنوع التجمع، إذهب إلى بيتك..!
لفت نظري عدم تواجد العسكر والشرطة بتلك الكثافة التي اعتدنا عليها سابقاً..!
مررت من منطقة الدواسة باتجاه الجسر الرابع أحد أكبر وأطول جسور المحافظة والعراق..!
كان هناك نوع من التجمّع الصغير قرب بيت (أهله، مسكن “والده”) المحافظ أثيل النجيفي المواجه لمبنى مديرية شباب ورياضة نينوى..
لم أسأل عن الأسباب.. نظرت بالجهة المقابلة كان التشدّد واضحاً على من يدخلون منطقة حي الطيران أو ما كانت تسمى تندّراً من الأهالي (المنطقة الخضراء) شبيهة مثيلتها في بغداد..!
عبرنا الجسر الرابع من أيمن المدينة إلى أيسرها وهناك رأينا حركة السابلة والعجلات طبيعية أو شبه طبيعية بالساحل الأيسر وتختلف جذرياً عن الذي يحصل بأيمنها..!.. معروف أن نهر دجلة المار وسط الموصل يشطرها إلى قسمين فكانت تلك التسمية..!

وصلت بيتي وأنزلت حقائب السفر وأوصيت السائق أن يوصل المرأة التي كانت معنا إلى بيتها.. فهز رأسه موافقاً بعد أن اعتذر هو وهي عن تلبية دعوتي لضيافتهم عندنا رغم دخول المرأة (منزلي المتواضع) لقضاء حاجتها والاغتسال لأنّها وبسبب ما عشناه لم تعد تحتمل ما ملأ (مثانتها) أو تريد التخلّص منه من المتكدّس عبر الأمعاء الغليظة.. ما أن فعلت، حتى شكرتني وزوجتي وعادت إلى السيارة..!

دخلت البيت وسط دهشة الأهل الذين لم يصدقوا تواجدي بينهم كون الإشاعات التي سيطرت على المدينة جعلت الطفل حديث الولادة يشيب شعر رأسه (قهراً)..
تقاطر بعض الجيران للسلام عليّ وسؤالي عن الأوضاع وبعضهم يعلم بأني كنت أخطط لترك الموصل وحتى العراق نهائياً وهو ما كنت أعمل عليه ولا أخفي سراً إن قلت بأني رتبت أموري وكنت أنتظر إكمال ابنتي لامتحاناتها النهائية في الكلية (سنة أخيرة) وقتها.. وعمل أي شيء لاستخراج جواز سفر لزوجتي المولودة في العراق والمسجّلة كـ(مقيمة) حتى أحداث 2003 ومن ثمّ اعتبروها (لاجئة).. تتبع والدها الذي لجأ سياسياً للعراق قبل مولدها وعديد إخوتها..!
فقط شخص واحد كان يعرف بأني أرغب بترك البلد وهو الصديق إياد الجوراني الذي كان قريباً مني جداً وكنت حينها أعد له برنامج بتوقيت اليوم الذي يبثّ من شاشة الرياضية العراقية والذي حقق من خلاله نجاحاً لا يمكن لأي منصف نكرانه، كما أن زميلي إياد الصالحي كان على دراية بذلك لأننا لم نعد نحتمل ما يجري أو يحصل لنا.. هناك مجموعة كبيرة خططت ونفّذت وأخرى تخطط لترك العراق ساعتها..!
بقي إياد الجوراني يخاف عليّ وكان والحقيقة تقال هو منقذي بكثير من الأمور، ولاحقاً سآتي على ذكر مآثر له وكيف استطعت التخلص من حكم (الإعدام نحراً) بحركة تنبأ بها الرجل من دون أن يدري..!

ما كان ينقل أو كنا نشاهده في الفضائيات التي تغزو الفضاء عراقياً وعربياً وعالمياً يختلف جذرياً عن الذي نراه على أرض الواقع..!
لم يكن أحد ليصدّق بأن الموصل ستذهب أو تباع بلا مزاد (حتى)..!
“عنتريات” الغراوي (قائد عمليات نينوى) ومثلها النجفي (محافظ نينوى) والاستعراضات التي كانت تنقل على الهواء (تلفازياً) ومن دون مونتاج، لبيان من هو الأقوى، يضاف لها ما كانت تفعله ساحات (العهر والخيانة) التي أوجدوها وصرفوا عليها والتي كانت تستقبل كثيرون ممن كان يصرف لهم الطعام المجاني وبطاقات الشحن للموبايل من فئات أل(ه) آلاف دينار..!
فتحولت تلك الساحات الصورية الإعلامية لمرتعٍ خصب يوميٍ للعاطلين عن العمل والباحثين عن سد رمق الجوع وكذلك عشاق الظهور بالفضائيات لنيل الشهرة وهم “النكرات”..!
لا أحد ينكر ما كان يلقاه الموصلّي البسيط المجبر على دفع الإتاوات وقتها للجميع.. من عسكر وشرطة محلية وشرطة اتحادية ورجال أمن ودولة ودوائر، إضافة إلى ما يسمى (“تنظيم الدولة الإسلامية”)..!
الكل كانوا يأخذون من المواطن والرافض لأمرهم، إما يعتقل بتلفيق تهمة أو لا تنجز معاملته أو يقفل باب رزقه وذات الحال يحدث مع الممتنعين من التعامل مع التنظيم الاجرامي والأخير يلجأ للتصفية الجسدية أيضاً..!
وحدث يوماً أن امتنعت إحدى ساحات بيع الوقود عن الدفع للـ(تنظيم) فتمّ تهديد من يديرونها.. الذين لم يخضعوا لهم، فاتجهوا إلى دائرة المنتوجات النفطية “قسم التوزيع”.. وسألوا هناك: لماذا أوقفتم تجهيزنا بحصتنا من مشتقات النفط التي نوزّعها لأبناء أحد أكبر أحياء الموصل..؟
جاءهم الرد من أعلى شخص (إداريٍ) في قسم التوزيع وقتها وقال:
هل دفعتم للـ(جماعة)..!! وسألوه: أي جماعة تقصد..؟
فكرر: الجماعة..!. وبقي ينظر للحائط..!
ثم أردف قائلاً: رتبوا أموركم معهم ومن ثم راجعونا..!
أغلب الدوائر يدفعون.. كل أصحاب المولّدات البديلة لضخ الكهرباء التجاري بدلاً عن الكهرباء الوطنية غير المستقرة يستنزفون.. محلات.. أطباء.. صيدليات.. مقاولون.. مدراء دوائر.. الا البعض منهم وكانوا قلة قليلة جداً جداً..!
نعم يدفعون خوفاً لعدم وجود من يحميهم أو يثقوا به ليحميهم..!
كل هذا كان “يجري بعلم الجميع” ونقصد أعلى الجهات في الحكومة المحلية والأمنية..!
هل كان هناك من لا يعلم بأن سيارات الحمل التي تعبر الجسور تدفع “المقسوم” لأفراد حماية الجسور حينها في الذهاب والإياب” وأن ساحات وقوف السيارات مفروض عليها مبالغ معينة تجبى من أصحابها لقادة (حماة) المدينة أو تنظيم (الدولة الإسلامية) كما كان يسمي نفسه وقتها..!
كم من بريء أعتقل وكم من مجرم أطلق سراحه..؟
كم من مقاول تم حلبه من الطرفين لانه، إن اشتكى، أوقع نفسه بين حانة ومانة..!
وحسبنا بذلك المقاول الذي تعرّض للابتزاز من (التنظيم) فلجأ لقوة أمنية لتعينه.. الغريب بالأمر أنّها راحت هي الأخرى تساومه وتبتزه ووصل به الحال.. أن الضابط الكبير هو من بدأ عملية الابتزاز التي استمرت نزولا بالرتبة حتى وصلت إلى أحد أصغر المراتب “منتسب” والذي كان يقول للمشتكي (نحن نقنع بكارتات موبايل للشحن) فقط..!
فهرب الرجل صوب تركيا قبل سيطرة التنظيم الإرهابي على المدينة والمحافظة..!
-يتبع-..

ملاحظة هامّة:
كل ماجاء في هذه السطور أو ما سيأتي لاحقاً.. حصل فعلاً ونقلناه ونكمله بأمانة ومهنية والأسماء التي ترونها فهي الصحيحة لأصحابها وإن قمنا بالاستعانة مسقبلاً بحروف أو (أسماء جديدة مستعارة أو عدم الإشارة لشخوصها) فذلك بسبب طلب أصحابها منّا ذلك..
كل الحقوق محفوظة للموسسة والجريدة “النهار نيوز” والكاتب ..

ترقبوا…
كيف حاول أحد الـ(صحفيين) التسبب بقتلي عامدا أو (غير ذلك)..؟
كيف رفض أحد أصدقائي استقبالي حين هربنا وعائلتي ..؟
ما موقف رئيس اتحاد الكرة العراقي عبد الخالق مسعود مني وماذا قال لي..؟
رئيس نادي النجف.. صباح الكرعاوي رحمه الله وموقف لا ينسى..
ماذا كان من كامل زغير عضو اتحاد الكرة واتصاله بي وماذا عرض على العامري..؟

الرابط في أدناه نقلاً عن النهار نيوز المصرية..

https://www.alnahar.news/14688

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى