مقالات

. من الذاكرة الكربلائية ..المشهد الواحد والأربعون. (حلاقة على الرصيف مع صورة شمسية )

حسين أحمد الإمارة

نهضنا متأخرين نحن الثلاثة صباح يوم مشمس معتدل الحرارة.
أخذنا حمام في القسم الداخلي لتنشيط الدورة الدموية.

سرنا متجهين إلى شارع الكسرة الرئيسي من خلال طرقاتها الملتوية.
ركبنا مصلحة نقل الركاب مروراً بساحة عنتر، بعدها وصلنا عند راس الحواش. صديقان لنا كانا في الإنتظار.

تحولنا إلى سيارة النقل ( التاونس ) ذات التسعة ركاب، العاملة على خط( أعظمية- كاظمية ) .

دخلنا سوگ الاستربادي في الكاظمية، ( يعتبر السوق من أقدم الأسواق التجارية المسقفة في الكاظمية، الذي شيدته عائلة الاستربادي) .

تناولنا وجبة الإفطار رأسان من الباچة ،وضعها على الثريد في صينية كبيرة مع ملحقاتها،أجهزنا عليها بكل فخر واعتزاز.ولم يبقى لها أثر يذكر.

مقهى وسط السوگ يسع الجميع. احتسينا الشاي ونهضنا لإكمال الجولة.
خرجنا الى طريق باب القبلة، محلات الذهب وبائعي القماش على جانبي الشارع.

سيرا على الاقدام وصلنا إلى المدرسة الإيرانية المواجهة للساحة.
حلاق متقدم في العمر جلس على صفيحة وبجانبه عدة العمل (الحلاقة ) ،متكأ على سياجها .
توقنا عنده ..
أحدنا وجه له السلام والكلام..

*عمي أريد أزين شعري..
.الحلاق ،عمي أني ما افيدك، روح يم أهل المحلات..أنتو شباب.
* لا عمي أني أريد أزين صفر..
. الحلاق ،ليش عمي شعرك حلو حريمة تزينة صفر.

سحب (التنگة) الصفيحة وقد وضعت عليها قطعة من الاسفنج، أجلس عليها صاحبي وبدأ بعمله..

وقفنا نحيط به في إنتظار ما يحدث.
أكمل حلاقة شعره بازالته تماما.. تناول مرآت صغيرة من صندوق العدة ،مسحها بجلبابه وأخذ يظهرها أمام وجهه،

نهض صاحبي من مكانه وأبدى عدم رضاه مما حصل لشعره. مسك بكتف الحلاق وأخذ يعاتبه عما فعله بشعره مطالباً إياه باستعادت الشعر لمكانه..

إرتبك الحلاق مما يحصل، رد عليه بأنه غير مسؤول عما حدث..
قهقة عالية صدرت من الجميع ،قمنا باحتضنا الحلاق بكل ود ولطف كي نُعْلِمَهُ بأننا نتلاطف معه.
ناوله ثلاث دراهم عن أجرة الحلاقة.

بالقرب منه نصب المصور الشمسي كامرته مع كرسيه الخشب وقد علق على الحائط قطعة قماش سوداء.
على ما يبدو أنه كان يراقب الحدث.
طلبنا منه أخذ صورة توثيقية بعد الحلاقة.
ابتسم قائلا…أني هم راح تسوون بي نفس المقلب.ههه .
تفضل أجلس على الكرسي.

عدل ظهرك ، اكعد زين ،ارفع راسك، إبتسم …
واحد..ثنين..تلاثة..
بدأ الجميع بالتصفيق حتى أنتبه المارة علينا.
بعد أخذ الصور وزعت علينا للذكرى.

بعدها توجهنا لزيارة أئمة الهدى الكاظمين عليهما سلام الله.

لغاية نهاية السبعينات كانت مثل هذه المهن تلقى الطلب والرواج من قبل الفقراء .

يوم آخر وموقف يضاف إلى المواقف والذكريات التي مررنا بها.

للجميع نسأله دوام الصحة والعافية وطول العمر..
والرحمة والمغفرة لمن وافاه الأجل.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى