منوعات

من الذاكرة الكربلائية ..المشهد الخامس عشر. (صندوق الشيطان )

 

 حسين أحمد الإمارة

– ناداني أبي….
ياولدي اذهب واخبر الحمال كاظم بالمجيء للمحل،ستجده بالقرب من محل أحمد السعداوي.
أقبل الحمال مسرعاً فأوصاه والدي بإيصال جهاز التلفزيون إلى دارنا.
حمله ووضعه بالعربة مع أريل( شبكة ..أنتينة )وسلك التوصيل.
تبعته لارشاده عن المنزل. ما إن وصلنا حتى حمله وادخله الدار، ووضعه على جانب الباحة، وقد بانت الفرحة على وجوهنا جميعاً، إنه تلفزيون ذو شاشتان بإطار خشبي، يعمل على نظام (الأبيض والأسود ) انكليزي الصنع من نوع لوي اوبتا .

وقفت الوالدة تنظر الى الجهاز وهي غير راضية بما يحدث.
بعد حين وصل والدي فأنبرت له أمي مستنكرة لجلب الجهاز للبيت وأبدت عدم رضاها.
شكو جبت (صندوك الشيطان) حجي .

عند الصباح أقبل الفني المتخصص بنصب الجهاز. فترة وجيزة واكمل نصبه و تشغيله ،وهنا حدثت المفاجئة! فقد امتنعت الوالدة من مشاهدة البرامج وأشاحت بوجهها عنه. ولم تفلح محاولاتنا باقناعها عن تقبله إلا بعد فترة من شرح وإيضاح ما يقدمه التلفاز من برامج مفيدة، فليست كلها سيئة..

في المناسبات الدينية يمنع تشغيله، إضافة إلى تغطية الجهاز بقطعة قماش أسود،أحتراما للمناسبة.

نجتمع كل يوم أمام التلفاز، نفترش الأرض، هذا متكأ على الوسادة وذاك على الحائط وآخر مستلقي على الارض يشاهد البرامج، فإذا باغته النوم يبقى في مكانه حتى الصباح.
نستمتع بتناول المكسرات والشاي مع الكعك والبقصم والكليجة لتمضية الوقت، صحيح لا توجد وفرة من المعروض كما هو الآن، ولكن البركة بالقليل.

يأتي النداء من الأب…
اخفظوا صوت التلفاز فقد حان وقت النوم.
عندها نقترب من الجهاز لنسمع الصوت ،فلا مجال للمخالفة وإلا يطبق قانون عقوبة حرمان مشاهدة البرامج بإطفاءه..
إنقطاع البث بين فترة وأخرى لمدة وجيزة كان بسبب محدودية مرسلات البث التلفزيوني وهي حالة لن تطول وقد تعودنا عليها بالرغم من استيائنا منه. في الساعة الثانية عشر عند منتصف الليل يتوقف البث وكان على من يتحمل السهر تولي إطفاء الجهاز.

استحوذ الإنتاج المصري من الأفلام والمسلسلات والأغاني على النسبة الكبيرة من العرض، إضافة للأفلام الهندية وأفلام الويسترن الأمريكية كذلك الافلام والمسلسلات والأغاني والبرامج الثقافية والرياضية والعلمية .

مفارقات حدثت من قبل نسوة المحلة، منهن من أبدت اعتراضها وأخريات استانسن بمشاهدة البرامج.
حينها لم تتمكن كافة العوائل من امتلاك مثل هذه الأجهزة.

حادثة مؤلمة حدث بالقرب من دارنا، هي وفاة الحمال الذي تصرف بشكل ساذج بطريقة إيصال عمود الحديد إلى سطح الدار لغرض ربط الشبكة به. فقد حصل تماس بين العمود وبين السلك الكهربائي مما أدى إلى وفاته..

مفردة من مشاهد الحياة في المجتمع العراقي آنذاك..

رحم الله من غادر الدنيا وحفظ الباقين بحفظه وعنايته.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى