تقارير وتحقيقات

من الذاكرة الكربلائية .. المشهد الثاني عشر. ( في يوم صيف قائض)

حسين أحمد الإمارة


عُرِفتْ بيوت المدينة القديمة بأنها ذات مساحات صغيرة ،شرقية الطراز، الغرف فيها تطل على باحة الدار من خلال شبابيك كبيرة الحجم، صُنعت من الخشب وسدت منافذها بالزجاج الشفاف والملون والتي تظيف له جمالاً تسمى ( الأراسي ) .
عند فتح الشباك تنظر إلى السماء، يحيطك انشراح وأطمأنان عالِ وأنت تفكر في الخالق المعبود جل جلاله.

في وسط الدار زُرعت شجرة النارنج أو العنب. تظيف للمكان جمالية تتوائم مع شكل البناء.
أما مواد البناء فهي من الطابوق والجص، وسقف الغرف يبنى من الخشب أو الحديد (الشيلمان ). وقسم من البيوت القديمة فتبنى الغرف بطريقة ( العكادة ) على شكل قباب تستند على أربع اعمدة (دنك ) مبنية من الطابوق الفرشي، وتسمى( الكبة ) ،عند النظر لسقفها تمتع نظرك في طريقة البناء بفنه الفطري في كيفية تشابك الطابوق …

في أغلب البيوت تبنى أسفل الغرف ،قاعات تسمى (السراديب ) ،تتصف ببرودتها ونقاء هوائها. تحتضن ساكني الدار وضيوفهم في أيام الصيف الحار، وتوجد فيها فتحات تهوية تسمى ( البادكير ) للحصول على حركة الهواء ودورانه من الأسفل إلى الأعلى. ..
مروحة منضدية تفي بالغرض، ضُلمة طبيعية تحيط بالمكان، تأخذك لقيلولة هنية تعيد لبدنك الراحة التامة، وفي بعض الدور توجد بئر حُفرت فيما مضى لشحة الماء الذي عانت منه المدينة..

تنهض وترتقي السلم لتجد سيدة الدار (الأم الحنونة ) قد أكملت تحضير الشاي على نار هادئة بواسطة( البريمز أبو الفتل) هكذا يطلق عليه، وهو ماركة رويال انكليزي الصنع، مضمون على طول العمر.

الكعك والبقصم وضع في سلة صغيرة حيكت من الخوص تعددت ألوانه بطريقة زغرفية فنية فطرية من نسوة أهل المدينة تخصصن بهذا العمل. وأضيفت للمائدة مكملات العصرية، الجبن والصمون مع الشاي.

الأب تَسَيدَ المكان يستمع إلى نشرة الأخبار من على إذاعة الBBC، اللندنية ،يتلوها على الأسماع (حسام شبلاق أو مديحة المدفعي ) عبر راديو السيمينز الذي يعمل على (اللمبات )، فلا مكان للترانسيتور في حينها.
وضع على مكان يعلو عن الأرض لأكثر من 180سم، من اجل الحفاظ عليه من لعب الأطفال العبثي وكذلك خوفا عليهم من الإصابة بصعقة كهربائية..

ترفع رأسك لتشاهد عش ( السنونو ) أو ما يطلق عليه السند والهند. وقد بنى بيته في أقصى يمين الإيوان، يعود له كل عام لوضع البيض والتفقيس، لم لا وهو قد وجد الأمان عند أهل الدار..وكذلك خصص مكان في الشجرة لتعليق قفص البلبل، الذي يوقض شياب الدار لإقامة صلاة الفجر..

تتفرق العائلة بعد الانتهاء من العصرية. هذا يذهب لعمله وذاك يلتقي بأصدقاءه في موعد لأجل أخذ قسط من ممارسة السباحة في نهر الحسينية، أو لتلبية رغبة معشوقته كرة القدم أو الكرة الطائرة في بستان مهجورة أو ساحة فارغة وآخر يذهب للمقهى مع أصدقاء له.

وأما النسوة فيقمن بإعداد وجبة العشاء أو إستقبال نسوة الجيران.

في يوم قائض من أيام الصيف وبعد عودتي من المقهى في ساعة متأخرة من الليل، كان الجو ينبأ بحرارة شديدة مع رطوبة عالية لا تطاق. صعدت سطح الدار لأستلقي فوق فراشي المبسوط على سطح الدار. تقلبت يميناً وشمالاً لأخذ قسطاً من النوم، لكن لم استطع.

قررت النزول لايقاد مبردة الهواء ،
تنفست الصعداء ودخلت في نوم عميق ،استيقضت على رن جرس الهاتف، لاشاهد الجميع قد نزل من السطح لإكمال نومه تحت هواء المبردة .

أتممت الوالدة إعداد الإفطار ونادت على الجميع، أن انهضوا يرحمكم الله.
تناولنا الإفطار بعد أن حَصلتُ على الشُكر و(العافريمات ) من الجميع لقيامي بتشغيل المبردة.ويبدوا أن عجزهم قد اخرهم لهذا العمل..

قناعة الناس ورضاها بما يحيط بها هو القاسم المشترك بين الأنام.

رحم الله من غادر الدنيا وحفظ الباقين.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى