مقالات

لم تكن نصرًا ولا ظفرًا..

كاظم الجبوري

النصر في اللغة : هو الفتح أي تفتح بلاد غير بلادك ، وأما الظفر فهو الفلج والفوز على عدوك، فبعد انتهاء معركة القادسية الثانية كما يحلو للبعض ان يسميها ، لم نشاهد أو نلمس دخول بلاد جديدة أو قهر عدو، ولنتكلم بكلّ حيادية وواقعية، ونجرد أنفسنا من العواطف، ونحكم على مجريات الأمور بمصداقية شفافة في قضية مهمة جدًا من تأريخ هذا الوطن، وإن كانت أحداثها بعيدة، وقد غطى الغبار قراطيسها؛ ولكن كان تأثير نتائجها كبيرة، ومازال الطرفين يعاني من ويلاتها، ولم يجن أحد لذيذ ثمارها، بل كانت نزهة سوداء بين أشلاء الأموات ودماء الأجساد وسوء المنظر، إنها حرب بسوس جديدة لم يحافظ فيها مرّة بن شيبان على أولاده، ولم يُرجع المهلهل أخيه كليب حيًا، نعم إنها الحرب العراقية – الإيرانية!
ويهمنا من هذه الحرب الطرف الأول (العراق) والذي للأسف بعض من أبناءه اليوم يمجّدون تلك الواقعة، ويعتبرونها نصرًا عظيماً وظفرًا كبيرًا لا بل فيها سعد والمرقال، وقتل رستم والمرزبان، وشاركت بها جموع ربيعة وقبائل عدنان، وبدعم أموال تميم وأحفاد كهلان، ولكن الواقع غير ذلك، لقد
دخل العراق تلك الحرب المشؤومة يوم 22 أيلول سنة 1980- وهو يمتلك ثروة اقتصادية كبيرة جدًا؛ فلديه زراعة نشطة، وتجارة مزدهرة، وصناعة منتجة، ونظام اجتماعي مترابط، ومستوى ثقافي وتعليمي متطور، يصل إلى مصاف الدول الاسكندنافية، ويمتلك قدرات عسكرية هائلة على المستوى الإقليمي، وموازنة مالية مستقرة تبلغ في عام 1979 / 30 مليار دولار – وهي انفجارية في وقتها- يذهب 80% منها للصناعة، ولا يعاني من ديون، هكذا دخل العراق الحرب وهو بلد صناعي زراعي يمتلك مقدرات الدول الناهضة سريعًا، وحدوده مع الطرف الآخر – إيران- مرسومة حسب اتفاقية الجزائر عام 1975م، ونقطة التالوك فاصلة بين الدولتين، ففي ذاك اليوم الأسود مزقت الاتفاقية وبدأت الحرب، واستمرت ثمان سنوات.
وكانت نتيجة تلك الوقائع- بغض النظر عن الطرف الآخر – أن خسر العراق أكثر من نصف مليون شهيد، وأكثر من مليون أسير ومفقود وجريح، من خيرة رجاله الشجعان من أبناء المؤسسة العسكرية، وكلفت البلد ما يقدر بأكثر من 100 مليار دولار من الخسائر والديون، فخرج النظام على إثرها في خضم كساد اقتصادي كبير، ودين مالي بملايين الدولارات، وبنفس الوقت لم يكن قادراً على سداد الدّين، وعمدت دول الغربان البيض على زيادة إنتاج النفط لتزيد من الطين بلة، فأخفضت أسعار النفط الدولية، وتدهور الاقتصاد العراقي، وردًا على ذلك قام النظام بغزو الجارة الكويت يوم 2 أغسطس 1990، وحدثت حرب الخليج الثانية، فضاع على أثرها المال وقتلت فيها النساء والرجال، وفرض الحصار الذي سقم منه الشيوخ والأطفال طيلة عقد ونيف.
وبعد تلك النتائج الكارثية لهذه الحرب البائسة إنهار البلد، وضاع الوطن، وحلّ الخراب المشهود ما بعد عام 2003م، ودمرت الصناعة، وحلّ الجفاف، وانتشر الجهل، وتراجع التعليم، وتخلف المجتمع، وتدهورت المؤسسة العسكرية
، كل هذا بسبب حرب الثمانية العجاف، فكيف يصفها العاقل الراشد! والرجل المحايد بالنصر العظيم؟! لا أعلم وهي نكبة كبيرة، وخطأ تأريخي كان بالإمكان تلافيه للحفاظ على الأرواح والممتلكات بدلًا من جر البلاد الى حرب مدمرة لم يحمد عقباها !

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى