مقالات

قبل سكون العاصفة

بقلم/كرار حسن


شهدت مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الاعلامية المختلفة ، منذ ايام ضجة غير مسبوقة، انتصاراً للفريق عبد الوهاب الساعدي واحتجاجاً على قرار رئيس الوزراء بإحالته الى مديرية الامرة في وزارة الدفاع، الذي يُعد “تجميداً” عملياً للرجل ، ولأي قائد عسكري ميداني يُتخذ بحقه مثل هذا الاجراء.

ولكنا شهدنا قبل فترة وجيزة عملية عزل “قسري” لقائد الشرطة الاتحادية (الفريق رائد شاكر جودت) وهو ايضا قائد ميداني لا يقل منصبه شأناً عن منصب الساعدي، ان لم يكن اكثر منه خطورة وتأثيراً ، وقد مرت عملية عزله مرور الكرام ، حيث اقتحمت قوة من الداخلية مقر الفريق جودت واخلته بالقوة، وربما صاحبها نوع من التأييد والتشجيع الجماهيري بعكس ما حدث مع الساعدي تماماً.

فرغم مشاركة القائدين (جودت والساعدي) المباشرة في قيادة جنودهما بمعارك التحرير المختلفة في نينوى والانبار وصلاح الدين بحضور وفاعلية واضحة، إلا ان الساعدي هو فقط من حاز على رضا الناس وتأييدهم شبه المطلق ، نتيجة لرسوخ تلك الصور المنتشرة والمتكررة في اذهانهم للقائد الميداني الشجاع والنزيه والمتواضع الذي يتقدم جنوده في خطوط المواجهة ويشاركهم طعامهم البسيط ويجالسهم وينام بينهم، تعلوه الاتربة، وترتسم على محياه ابتسامة القائد المُنهك المنتصر.

ربما يكون الفريق عبد الوهاب الساعدي مثل ما ينقلون عنه، وربما هو في الواقع فوق ذلك او دونه، ليس ذلك مهما جدا ، ولكن المهم غاية الاهمية هو ان الجماهير انتصرت لهذه الصورة المشرقة الراسخة في اذهانهم عن الفريق الساعدي وامثاله من القادة والمقاتلين و.. والامثلة على ذلك كثيرة جدا، وهذا دليل وعي جماهيري عميق، يُترجم على شكل مواقف حية وثابتة وليس مجرد اعجاب وتعاطف ، رغم الصورة النمطية السلبية عن “خذلان الجماهير” التي ربما يروج لها الفاسدون والمتخاذلون، فتنطلي على بعضهم ويرددها البعض الاخر بوعيٍ ودون وعي بتحميل الناس مسؤولية ما يحدث، وهذه محنة اخرى ابتلينا بها تاريخياً.

قد يخطئ الانسان في اصدار الاحكام والانحياز لموقف معين نتيجة لقتامة المشهد اليومي، على المستويات السياسية والاقتصادية والامنية وحتى الثقافية، ولكنه يعود او يتراجع عن ذلك حتما، حالما يرى الجانب الاخر من المشهد ويتضح ماخفي منه، فقد تتماها او تغيب عنا الوقائع احيانا بين ركام الاحداث والمشاكل المتراكمة.

لا ادري ما هي الاسباب الحقيقية التي تقف خلف تجميد الساعدي بهذه الطريقة ، ولكن الذي نُشر وروجت له المواقع المؤيدة للقرار الى الان غير مُقنع البتة، وغير ذي اهمية قياسا لما هو متعارف عليه بين القيادات السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية، التي تعدت مجرد زيارة هذه السفارة او تلك الى ما هو اعمق من ذلك واكثر منه بكثير والمتابع يعرف ماذا اقصد هنا!! فهل نحن ازاء صورة من صور التخبط الحكومي الذي لاينتهي!!

يخبرنا التاريخ السياسي عن لجوء الكثير من الدول والحكومات الى اصطناع او اختلاق روايات وبطولات وهمية لا اساس لها (اساطير) لقادة عسكريين واشخاص وهميين ، بهدف تحفيز همم شعوبهم وتحشيد العواطف والامكانات لأجل الانتصار في حرب ما او تجاوز تحدي ما يهدد كيان الدولة ووجودها.. فهل من الحكمة ان تعمد حكومتنا الى تمزيق او توهين تلك الصورة الموجودة اصلاً بغض النظر عن مدى حقيقتها وواقعيتها، واقصد بها صورة البطل والفارس الشجاع المتمثلة ب ( الفريق الساعدي)!!

اذا وضعنا قضية الساعدي، الى جانب حادثة فض اعتصام اصحاب الشهادات العليا قبل ايام بتلك الطريقة السيئة والبائسة للغاية، الى جانب الاخراج السيء لقصة استهداف المعسكرات ومقرات الحشد قبل ذلك وو…الخ ، فإننا والحال هذا امام مشكلة حقيقية من صُنع يد صانع القرار الذين يُفترض به وضع الحلول والعلاجات ، لا اصطناع الازمات والمشكلات!!.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى