منوعات

عامريات.. بالقانون ضد القانون.. تحت ٢١ سنة!

 

كتب/ طلال العامري

سنحت لي الفرصة وبحكم العمل أن أزور بعض الدول العربية والأجنبية .. وهناك لابد لك ان تجد عراقياً تعرفه أو حتى لا تعرفه، تراه يتقرّب منك بحكم الرابط الذي يجمعكم أو الحنين الذي يسيطر عليه، فيقوم بتوجيه الدعوة لك الى مطعم أو أحد أماكن التسلية من تلك التي مثبّت على بواباتها عبارة شهيرة وهي (يمنع دخول من هم تحت سن ٢١ سنة)..!
دائماً تستوقفني تلك الجملة (المخبولة) التي وضعت وفي كل دول العالم، كي تستغفلنا وتشعرنا أن الذين وضعوها أو اشترطوها يخافون علينا او على غيرنا من الأجيال.. وابتلعنا الطعم..!
تذكرت حين تمّت دعوتي لإصدار دفتر الخدمة العسكرية الذي يتم منحه لمن أكمل ألـ(١٨) من العمر.. ذلك الدفتر (الجواز) الذي يسمح لحامله أن (يَقْتُل) وَ(يُقْتٓل).. بل يساق بعد فترة تدريب بسيطة إلى أتون الحروب إن كان بلده ممن (يعشقونها)..!
بعمر (١٨) سنة، طبيعي أن تحارب وتضحي بحياتك وتتحوّل إلى قاتل ومجرم ومن غير الطبيعي أن ترتاد (خمارة أو ملهى أو مبغى أو تنعم بميراثك).. أي تفكير (منحطٍ) خرج علينا بعملية تحديد العمر المسموح به لسوق الإنسان إلى حتفه وبذات الوقت حرّم عليه أموراً أخرى بداعي أنه (فتى) غير مكتمل النضج..؟!
أليست هذه مفارقة مضحكة مبكية..؟
لابد من تعديل هذا القانون الجائر ليس في العراق حسب وإنما في أغلب دول العالم الديمقراطي والديكتاتوري.. ولكم أن ترجعوا لقطعة التعريف تلك التي باتت تتواجد في محلات بيع المشروبات الروحية أو المولات والأسواق التي تطالب من يرغب بالشراء بهويته للتأكد من كونه فوق سن ألـ(٢١) سنة..!
هنا سأذكر أغرب ما مررت به وهذه حقيقة عشتها وارويها لكم..
كنت أؤدي خدمة العلم في مدينة البصرة وأحببت يوماً أن أكسر الجمود والرتابة فقررت الذهاب إلى (ملهى “ديسكو الطاحونة الحمراء”) كنت أرتدي الملابس المدنية.. هممت بالدخول.. طالبني حارس البوابة بهويتي للتأكد من عمري.. كان وقتها أقل من (٢١) سنة.. تم منعي وكم حاولت أن أشرح له ولمن تكاثروا معه بأني (رجل بالغ وأخدم بالجيش وتحديداً بالخطوط الأمامية).. حسم القرار.. لم يسمح لي.. غادرت وفي قلبي حسرة..
حتى جاء يوم وقررت ان أزور ذات الملهى (ديسكو الطاحونة الحمراء).. كنت أسير في منطقة العشّار بحلتي العسكرية وسلاحي.. دخلت (باراً “الفارابي” مكتوب على واجهته يمنع دخول الأحداث دون سن ٢١ سنة) جلست واذا بالنادل يقترب مني (تفضّل ماذا تشرب سيدي)..! لم يسألني عن عمري.. جاء بما طلبت.. أتيت على ما كان أمامي.. دفعت الحساب وغادرت باتجاه ما أتيت من أجله وهو الذهاب إلى الملهى، وقبل أن أصعد الدرج قمت بشراء (مشروبات كحولية لأصدقائي من زملاء الخدمة) تقدمت من صاحب محل بيع المشروبات الذي سبق ومنعني قبل أيام بداعي أن عمري (صغير).. لكنه حين شاهدني بالزي العسكري لم يسأل عن عمري وباعني كل ما رغبت شراءه لهم..!
صعدت درج (الطاحونة الحمراء بالزي العسكري) لم يمنعني أحد أو يسألني عن (سنّي).. جلست وطلبت ما أحببت..! لم تكن غايتي احتساء (الخمر والاستمتاع بالرقص والجنس اللطيف كما سيظنّ البعض) وإنما علّ وعسى تقوم إحدى مفارز الانضباط العسكري بالقاء القبض عليّ وتخلّصني من الدخول بمعركة كنّا نستعد الدخول إليها عبر تحضيرات مكثّفة سبقت نزولي إلى مدينة السيّاب..!

جاءت المفرزة ومرّت بالقرب مني ولم تسألني ويمكن تجاهلتني عن عمدٍ..
فهل رأتني (رجلاً بالغاً بحق ساعتها ام حدثاً تركته يستمتع بأيامه التي قد تكون الأخيرة)..؟
ونعود إلى السؤال..
لماذا عند الدفع بالشباب إلى (خدمة العلم والموت في الحروب) لا بأس أن يكون العمر (١٨) سنة وعند دخول ملهى أو مبغى أو (خمارة) لابد من التأكد ان العمر لا يقل عن (٢١) سنة..؟!
هل هكذا هم (يحبّونا) ويخافون علينا وعلى أخلاقنا من التلوّث رغم (ترخيصهم) لأرواحنا..؟! وكم من حدث بعمر ألـ(١٨) سنة مات في الحروب أو تم اعدامه لأنه هرب من تأدية الخدمة الالزامية (العلم) وتم وصفه بالخائن للوطن الذي خاف قادته عليه من (خمارة ومبغى لأنه صغير) وتركوه فريسة لشتّى انواع الأسلحة الفتاكة مع إنه بنفس العمر..؟!
ويأتي من يحدّثك عن الإنسانية والقوانين الدولية والمحلية ويضحك عليك وعلينا حين يقسم بأنها وجدت لحمايتنا.. فأين هي من هذه الجريمة التي تقترف كل يوم ولم يلتفت اليها أحد..؟!
دمتم أخيار بلدي وإن شاء الله لنا عودة “اذا ما صار شي”..

ملاحظة:
الصورة المرفقة كانت لتوثيق ما تم سرده وكانت الأخيرة للكاتب الذي أصيب بعد سنة واحدة من تلك الأحداث بالحرب وهو لم يكمل بعد ألـ(٢١) سنة من عمره وكانت بالقرب من تمثال (السيّاب)..!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى